يمكن للعدل أن يكون نسبياً باختلاف الزمان والمكان; قديماً كنّ النساء يُحرقن من أجل السحر، ومع ذلك كان هذا مقبولاً للعديد من الناس بأنه لا ظلم في هذا. قلّ عدد هؤلاء الـ"عديدون" شيئاً فشيئاً، إلى أن اجتمعت أكثرية أخرى بمبادئ أخرى. أخبرنا التاريخ كثيرا بكذا مجتمعات، ومازال هذا جارياً، وسيظل يحدث إلى انتهاء البشرية، فـ"المغلوب مولع دائماً بالاقتداء بالغالب". وكلما تغير ذاك الغالب، جاءت قوانين أخرى مبنية على قواعدَ هشّة لا أساس لها اقتدى بها البقية، فأصبح العدل مقترناً بهم.

لطالما ظل الناس يبحثون عن حل لتلك المعضلة، هنا قام العديد باختراع آلهتهم الخاصة بقوانينهم الخاصة وحاربوا كل من هو على نقيض ذلك حتى وإن احتمل أن تكون تلك الالهة الاخرى على حق، فقط لأنهم لا ينحازون لأهوائهم الخاصة تلك. العديد من الحضارات، أيضاً، اختلقوا عالماً من اﻷساطير والآلهة التي تشبه البشر في هيئتها ولكن مع بعض القوى الخارقة التي تحكم عالم البشر. ولأنهم يشبهون البشر، فإن لهم أيضاً عيوبهم ونواقصهم وخططاً قد لا تسير كما يأملون، وبالطبع قواعدهم الخاصة. قليل من هذه الحضارات أيضا يبحث عن حقيقة مطلقة غير متحيزة، لم تأتي من وحي بشر - بحق -.

لطالما كان البشر متعطشين لتلك الحقيقة الثابتة التي لا تنحاز إلا للحق، لا يمكن بحال أن تدين بمعروفٍ لأحد فتصبح مجبرة على ردّه، أو لعاطفة فتصبح عمياء لا تعقل. وبالطبع لا يمكن أن تُجبر بالقوة.

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)
سورة النساء

البحث عن تلك السنن الإلهية تعني أنه في حال وصلت إليها عليك أن تلتزم لهذه السنن والقواعد وتسلّم لها طالما أنها من عند الله، أيا يكن تلك القواعد، فهي من عند الله. إذن، لا شئ يعلوها. حتى وإن عنى ذلك أن يذهب الله بمن في الارض ويأتي بغيرهم، فهو من أوجدهم بادئ الأمر من العدم. سيزيف “ملك مدينة ايفيرا” وبروميثيوس “ملك النار” في الأساطير اليونانية، هما مثالان جيدان لبشر خاضعين لحكم إلهي بأن يعاقبوا لمخالفتهم الإله زيوس، ولا يمكن ﻷحد أن يعترض. ذلك بأن الإله الحقيقي لا يمكن معاقبته لأن العقوبات صادرة عنه، أيضاً.

العدالة الصارمة بلا رحمة أو تهاون مطلوبة أيضاً من العديد; كل مخطئ يجب أن يحاسب بقدر خطئه تماماً، بلا أي تهاون أو مغفرة. المحسن يجب أن يُكافأ، بقدر إحسانه تماماً، بلا أي غَبْنٍ أو ظُلم. هناك قصة يابانية عن إمبراطور فرض على الناس ضرائب باهظة. لم يتحمل الناس دفعها. بدافع أنه لا يملك ما قد يخسره، تملّك قروي من الشجاعة ما يكفي أن يذهب لكي يتحدث مع ذلك الامبراطور عن مدى جشعه وظلمه للناس. واستطاع بالفعل أن يمثٌل أمامه. فلم يستطع أن يكبح نفسه وتحدث إلى الملك بجرأة تامة وغضب وصلت حد الشتم والرجم بأفظع الألفاظ، حتى وقف ولاة وخادمي هذا الامبراطور في دهشة مما سمعوه، خوفاً مما قد يفعله الامبراطور تجاه القروي المسكين الذي فعل فعلة شنعاء ( فقط لأنه عبّر عن ضيقِه مما تضيق له أي نفس ). قام هذا الإمبراطور بفعلين قد يعتبرهما الكثيرون عادل تماماً، الاول أنه منع تلك الضرائب، لحسن الحظ. لكنه أمر بأن يُقطع لسان ذلك القروي، لأنه تجاوز حد الأدب وأساء الى الامبراطور.

قد يعتبر العديد هذا النوع من العدالة ملائماً ومثالياً تماماً. ولكن، ألسنا مختلفين؟ أليس لكل منا نواياه وظروفه الخاصة؟ ألسنا نجهل العديد مما يدور حولنا؟ إذا قمت بحصر كل هذه العوامل المختلفة وحاولت، مهما حاولت، جَهد ما استطعت، أن تقوم بتكوين كل مجموعة ممكنة مكونة من هذه العوامل، وزِد عليها، مختلفة عن البقية من الظروف المعيشية المحيطة بشكل كامل بحياة أحدهم، فستعلم أنه لا وسيلة لأن تحقق ذلك الميزان الذي ترتأيه، كما فعل الامبراطور.

قال اللهُ عزَّ وجلَّ -وقولُهُ الحقُّ-: إذا هَمَّ عبدي بحَسنةٍ فاكتُبوها له حسنةً، فإنْ عمِلَها فاكتُبوها له بعَشْرِ أمثالِها، وإذا هَمَّ بسيِّئةٍ فلا تكتُبوها، فإنْ عمِلَها فاكتُبوها بمِثْلِها، فإنْ ترَكَها -وربَّما قال: فإنْ لم يعمَلْ بها- فاكتُبوها له حسنةً، ثمَّ قرَأَ : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }
جامع الترمذي - 3073


Such there is Night، not Night as ours—Unhappy Folk
J.R.R. Tolkien.

The Unhappy Folk: unhappyfolk.org
Telegram: unhappyfolk.t.me
Mail: msg@unhappyfolk.org