ارتقاء

العديد منا لا يتطلب أكثر من وجبة واحدة يومياً وسريرٍ واحد ليهنئ بيوم يرتاح فيه بعد شقاء. أيضاً العديد منا يتوفر له أكثر من هذا بكثير. قليل فقط من يضع في الحسبان أن يوازن بين هذين المكيالين. بالرغم من هذا، التصدق بمقدار أكثر من - فقط - هامش قليل مما نملُك يعتبر سخاءً وفعلاً بطولياً. تماماً كالذي يطعم حيواناً في قفص قاذفاً إليه الطعام بحذر، ومن ثَمّ يجر يديه مسرعاً إلى الخارج. يشاهده من بعيد، ممتنناً بأنه على الجهة الاخري من القفص. مكتفين فقط بأن نغمس إصبعاً في الماء قبل أن يصبح الوضع خطيراً، معتقدين بأننا هكذا قد جربنا شعور من هو “أقل” مننا.

كل ذلك يختلف اختلافاً كبيراً باختلاف “المستوى” الذي نحن فيه، الذي مهما تغير لا ننفك حتى نبدأ في التخطيط لـ"المستوى" التالي، ليس لسبب ما ضرورة ولكن لن أبقى على ما أنا عليه، فالمنافسة لازلت طويلة ومستمرة. ذلك ما نظنّه مهما كان مستوانا الحالي. كل ذلك نحن على علمٍ به، كأي عادة سيئة نحن على علمٍ بضررها ولكننا لسنا جادّين بأن نغير من أنفسنا حيال ذلك. ليس الامر كأن شيئاً كهذا سيختفي من الوجود، ولكن على اﻷقل يجب أن نعي وجود مشكلة كهذه.

أن تثقلنا همومٌ لازمة أتت من مستويات ما أنزل الله بها من سلطان هو شئ أقل ما يقال عنه أنه وهم. فهي مرهِقة وتستنفذ من طاقاتنا وتعمي بصيرتنا. تقارن نفسك مع بقية من هم أعلى منك في المستوى، شاعراً باليأس أنك لست من ضمن هؤلاء الـ"أعلى في المستوى" ﻷنك لا تحب أن تشعر أنك أقل من أحدهم، حتى وإن لم يعني ذلك التصنيف شيئاً حقيقيا قد يعود عليك بنفع “حقيقيّ”.

خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ
صححه اﻷلباني - مشكاة المصباح

مما لا يخفى على أحدنا أنه لا يوجد مستواً قد نطلق عليه أنه النهاية، حيث هناك دائماً ما هو أعلى وما هو متطلب لنا. حتى وإن اسمينا أحد تلك المستويات باسم كهذا فستصبح الخطوة التالية هي أن أُبقي على هذه الحال قدر المستطاع وان أُوسع الفارق مع من هم دون الـ"مستوى". في سباقٍ واهٍ كهذا، يصبح من الضروري أن تتخلص من كل ما قد يعيق صعودك إلى اﻷعلى. فتُلقي رِحالك شيئاً فشيئاً، حتى تجد نفسك قد ألقيت بكل ما قد كان يوماً جزءاً يمثل شيئاً فيك.

ولا يهم إلى أي مداً قد وصلت، فستجد نفسك دائماً ما تكرر نفس الخطأ، تتصارع في سباق لم يكن مطلقاً واجباً عليك خوضه طوعاً أو كرهاً، قاصداً ذلك أم لا، محاولاً أن تجعل من هم متأخرين عنك لا يزالون كذلك، صائغاً لهم حالهم تلك (التي لا تتمناها لنفسك) في صيغة أفضل وأكثر احتراماً.

قد تأتيك لحظة ما وأنت على تلك الحال تنظر فيها لمن هم “أقل منك حظاً” (إن صح التعبير) وتسأل نفسك: لماذا كل هذا الصراع؟ هل الامر يستحق ذلك فعلاً؟ يبدو الامر اعتباطياً تماماً، هل كنت أتصرف بحماقة كل هذا؟ ولكن، لا وقت لذلك، فالسباق لا يزال قائماً، وكل الناس على هذه الحال، لا بد أنني بخير، فالكثير يحسدونني على هذا.

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ
سورة الحجرات - آية 13

Such there is Night، not Night as ours—Unhappy Folk
— J.R.R. Tolkien.

The Unhappy Folk: unhappyfolk.org
Telegram: unhappyfolk.t.me
Mail: msg@unhappyfolk.org