كيف ستكون الحياة إن كانت بلا حديث؟ ولماذا يتحدث البشر كثيراً؟ ما هذا الذي نضيف فيه أوقاتنا في الحديث؟ ولماذا لا نأخذ في الحسبان تلك القوة الكامنة في كلماتنا؟

كلمة واحدة قد تحمل في طياتها قوة كفيلة بأن تُذهب حياة شخص ما. كلمة واحدة قد تكون سبباً في أن يولد شخصا ما. كلمة واحدة قد تدوم ﻵلاف السنين، ليس في ذاكرة الناس فقط، بل أيضا في حياتهم.

أقوى سلاح للشيطان هو الحديث. حديث الشيطان قد يفتح أبواباً من الجحيم. الغالب أنك لن تستطيع أن تفرق بين ما قد تقوله وهو خير، وبين ما قد يسبب الضرر، ويضيع وقتك، ويمنعك من أن تنصت لنفسك وتدرك الريب فيما تقول وما يجري من حولك.

تقريباً في كل اللحظات التاريخية الفارقة، آلت الأمور لما آلت إليه فقط لأن الكلمات خرجت من صاحبها على تلك الهيئة بذلك الترتيب. الأنبياء نشروا تعاليمهم بالكلمات. الحكّام اكتسبوا الثقة من الناس أيضا بالكلمات. الفارق الوحيد بين الحقيقة والكذب هو الطريقة التي صيغت بها قبل أن تصل إلى المستمع.

في عالمه الخيالي، قام “تولكن” بصياغة الكلمات على وصفها الحقيقي; تنانين تنفث النار بألسنة من لهب قوتها تساوي تماماً ( وأحياناً أقل قوة) من قوة الكلمات التي تحدّث بها اخصامها. ضحايا وسوسة شريرة من أحد تلك التنانين يمكن أن يكون مدمراً أكثر من نيران لهب متناثرة.

نحن نتأثر بكل تلك الحوارات التي، تبدو، بشكل وديّ بداعي الصداقة، ملقين بدعابات وآراء وكأنها خرجت من ذاتها دون تدخّل مننا. تلك الكلمات التي نقذف بها، مسببة اليأس.

كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ : “يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ” . قَالَ " لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ “ . ثُمَّ قَالَ ” أَلاَ أُدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ النَّارَ الْمَاءُ وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ “ . ثُمَّ قَرَأَ { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ } حَتَّى بَلَغَ { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } " ثُمَّ قَالَ ” أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ الْجِهَادُ “ ثُمَّ قَالَ ” أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ “ .قُلْتُ : ” بَلَى" . فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ “تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا” قُلْتُ : " يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ “ قَالَ : ” ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ
معاذ ابن جبل - في سنن ابن ماجه


Such there is Night، not Night as ours—Unhappy Folk
J.R.R. Tolkien.

The Unhappy Folk: unhappyfolk.org
Telegram: unhappyfolk.t.me
Mail: msg@unhappyfolk.org